السؤال.. السلام عليكم.. أنا أعمل في وظيفتين، وحائرة أيهما أختار، في الفترة الصباحية أعمل في السكرتارية من الساعة 8 صباحا حتى 4 عصرا في شركة كبيرة، وبراتب متوسط وضع الشركة مستقر، وفيها ترقيات، ومكافآت وحوافز، وبيئة آمنة، ومستقرة.
بالنسبة لي لا أحب عمل السكرتارية، وسبب قبولي للعمل أنني لم أجد عملا سواه، ولأن الشركة من الشركات القابضة الكبرى، ومنذ أسبوعين وجدت عملا آخر في مستوصف صغير في مجال تخصصي، محاسبة، وقريب من منزلي، وبراتب قليل.
ووضع المستوصف غير مستقر من الناحية المادية، ولكن صاحب العمل متفهم، ومتعاون، أعمل فيه حاليا في الفترة المسائية من الساعة 6 حتى11 ليلا.
أنا متعبة حاليا، ولا أستطيع متابعة العمل في الوظيفتين، وحائرة أيهما أختار، أفيدوني.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى عيسى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك.
وأن يثبتك على الحق، كما نسأله تبارك وتعالى أن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يبارك في رزقك، وأن ييسر لك عملاً صالحًا طيبًا مباركًا موفور الدخل ولا يتعارض مع الشرع، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – من أنك تعملين في وظيفتين، وحائرة بينهما أيهما تختارين، فالذي أميل إليه حقيقة عدم التعجل بخصوص ترك أحد العملين، لأن العمل الثاني الذي تكون ظروفه أنسب – وخاصة أنك تعملين في مجال تخصصك، وهو قريب من بيتك أيضًا، وهذه بلا شك أشياء مشجعة – يكون في الظاهر أفضل، لماذا؟ لأن المجهود الذي يبذل فيه أقل، وإن كان دخله قليلاً.
وهذا أيضًا لابد فيه من مراعاة شيء آخر، وهو ظروفك المادية، هل لو أنك عملت في هذا المستوصف القريب من بيتك سيكون هذا الدخل يكفيك ومن تنفقين عليه؟ أم أنك ستعانين شيئًا من الضيق؟ لأنه مما لا شك فيه أن الجمع بين عملين أو وظيفتين بهذا الدوام الطويل من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الحادية عشر ليلاً.
عمل لا يقدر عليه الرجال، وإن كنتِ الآن قادرة عليه فهذا لفترة فقط، لأن طبيعة الجسد لا تتحمل مثل هذه التكاليف والحمولات الزائدة.
فأنت الآن تعملين مدة من الوقت تفوق كل قوانين العمل في العالم، وأيضًا تفوق طاقات الرجال الأشداء الأقوياء، دوامان مستمران من الساعة الثامنة إلى الساعة الحادية عشر ليلاً، يعني قُرابة خمسة أو ستة عشر ساعة، هذا أمر ليس سهلاً، وإنما هو أمر عظيم جدًّا، ومما لا شك فيه أنك إن كنت قادرة على الجمع بين الاثنين الآن، فقد تكوني في أقرب فرصة تعجزين عن القيام بواحدٍ منهما.
التخصص مما لا شك فيه شيء طيب، خاصة وأن الدوام الأول طويل، من الساعة الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، ليس دوامًا سهلاً، أما الدوام المسائي هذا على اعتبار أنك ما زلت غير مستقرة فيه فهو دوام جزئي، وإن كان أحب إليك.
وذلك لأنك تعملين في مجال تخصصك، فأنا أقول: أهم شيء ينبغي أن نراعيه إنما هو الضوابط الشرعية، فما دام هذا العمل لا يتعارض مع الشرع، وليس فيه اختلاط – والعمل الثاني نفس الشيء – فإذن في الجانب الشرعي نتأكد أيهما أقل خطورة، ومشاكل فنقبله، حتى وإن كان دخله أقل.
الأمر الثاني (المجهود) فأنت تقولين أنك لا تحبين عمل سكرتيرة، ولكن عملك في مجال تخصصك يُريحك ،ويعطيك أيضًا خبرة تستطيعين من خلالها أن تترقي إلى أماكن أخرى على اعتبار أنك لو تقدمت إلى جهة أخرى للعمل ستقولين أنا عملتُ محاسبة مثلاً لمدة كذا عام، أما عندما تقولين أنا أعمل سكرتيرة.
فعمل السكرتارية يختلف إلى حد كبير عن عمل المحاسبة، فعملك في مجال تخصصك أنفع لك في كل شيء.
أنا أرجح حقيقة العمل الثاني على اعتبار أنه قريب من البيت، إذن معنى ذلك أنك لن تركبي أو تحتاجين لركوب سيارة أو غير ذلك، أو قد تكون المسافة قليلة.
الأمر الثاني: أنه عمل في مجال تخصصك، وهذه بلا شك طبعًا يعطيك خبرات تراكمية تنفعك في المستقبل.
الأمر الثالث: أنه عمل أيضًا في مؤسسة تقدم خدمات صحية للناس، فمما لا شك فيه أن فيه أجرا أكبر حتى وإن كان المركز أو المستوصف يتقاضى على ذلك أجر.
فالذي أقوله الآن: الجمع بين عملين صعب جدًّا وشاق، ولكن أتمنى ألا تتعجلي في اتخاذ القرار ما دمت قادرة على ذلك، خاصة بأنك تقولين أن وضع المستوصف غير مستقر من الناحية المادية، إذا كان جديدًا في الموقع فقطعًا سيكون غير مستقر لفترة حتى يعرفه الناس، وحتى تتم شهرته.
وهذا متوقف على الإدارة، والكادر الوظيفي الطبي المتميز، فإذا كان هناك كادر وظيفي وطبي متميز، وإن كانت هناك إدارة جيدة، وحفاظ على المواعيد، فأعتقد أنه سيأخذ دوره إلى الشهرة في أقرب وقت، لأن عوامل النجاح قد توفرت له، وبذلك سوف يتحسن وضعك المادي.
أما إذا كان منذ فترة طويلة وهو قديم، ولكنه لم يتطور، فأنا أنصحك أن تتركينه؛ لأنه لن يتحسن حاله خاصة إذا كنت في حاجة إلى الدخل الأعلى، أما إذا كانت المسالة لا تفرق معك، فأنا أرى أن تكوني معهم على اعتبار أنه أنسب لظروفك ما دمتِ -الحمد لله- لا تعانين حاجة ماسة لهذا الدخل، أو لهذا الراتب القليل.
فأنا أقول: أعط نفسك مهلة، بشرط تحديد موقف المستوصف، إذا كان قديمًا، وهذا حاله فمعناه أنه لن يتقدم، ومعنى ذلك أن فرصته في التقدم، وزيادة الراتب، أو تحسين الوضع ستكون ضعيفة، أو معدومة، لأنه قديم.
أما إذا كان جديدًا، فأنا أرى أن تعطي نفسك مهلة لشهرين مثلاً أو كذا، وتلتزمي معهم بهذا الدوام الجزئي، فإن تحسن الوضع، وشعرت فعلاً بأنه بدأ العمل في تقدم، وبدأ الدخل يرتفع وبدأ المستوصف يُشهر فلا مانع - إن شاء الله تعالى – أن تتركي العمل الصباحي، وأن تلتحقي بالعمل الليلي حتى وإن كان الراتب أقل؛ لأن المميزات فيه أكبر من العمل الأول.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يوسع أرزاقنا ،وإياك وأرزاق المسلمين جميعًا، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.
الكاتب: الشيخ/ موافي عزب
المصدر: الشبكة الإسلامية